برنامج العلاج الجماعي في بيوت التأهيل
برنامج العلاج الجماعي في بيوت التأهيل
تعددت أنواع العلاج لظاهرة الإدمان، حسب العديد من العوامل، وهذا بسبب تعدد الحالات وانواع الإدمان وتأثيره على الدماغ، والسلوكيات الناتجة عنه في المجتمع، وأعراضه الانسحابية، لذلك تعددت طرق العلاجات بتعدد كل هذه العوامل.
إلا أن الأطباء والمعالجين النفسيين في الفترة الأخيرة طوروا أنواع كثيرة من طرق علاج الادمان والتأهيل النفسي تعتمد في الأساس على تغيير الإنسان من داخله عن طريق تعديل السلوك، والبعد عن المشاكل النفسية التي تؤدي إلى الإدمان، وصناعة إنسان جديد بعيدا عن السلوكيات السيئة التي كان يمارسها من قبل، لذلك قاموا بوضع برامج نفسية تعمل على تغيير السلوك المؤدي للإدمان، ووضع برنامج حياتي قائم على حل المشكلات بنمط علمي جاد.
ومن ضمن هذه البرامج برنامج العلاج الجماعي الذي وضعه بعض المتخصصين النفسيين والقائم على ضرورة التأهيل السلوكي والمعرفي للمدمن في بيوت التأهيل عن طريق الاستشارات الجماعية والعلاج الجماعي عن طريق بعض الجلسات الجماعية التي تحكي عن التجارب السابقة في الإدمان، وطرق العلاج والخروج من دائرة الإدمان المدمرة.
ويتناول هذا المقال عدد من الجوانب عن ملامح هذا البرنامج، ومدى نجاحه في التأهيل النفسي والحديث عن هيكل النظام العلاجي عن طريق المجموعة، وخلق مناخ صحي للعلاج، والأهداف المرجوة من إتخاذ هذا البرنامج، هذا إلى جانب النتائج النفسية والطبيعة من حيث تأهيل المدمنين، وكل هذا خلال النقاط التفصيلية التالية.
المحتوي
الأهداف العلاجية في برنامج العلاج الجماعي:
هناك بعض الأهداف المستهدفة في العلاج الجماعي تجاه المدمن وضعها المتخصصين في علاج الإدمان تستهدف بشكل مباشر غريزة الإنسان في حب الجماعة والتحدث والتفاعل معهم، وهذه اهداف بلا شك تعمل على العلاج النفسي بصورة سوية، ومن هذه الأهداف:
مبدأ الأمل |
عن طريق غرس قيم الأمل في الحياة المستقبلية بعيداً عن الإدمان وأنها ليست نهاية الحياة او نهاية الإنسان، بل قد يكون الإدمان من الأشياء المحفزة لإيجاد أمل جديد في الحياة. |
مبدأ الانتماء |
وهو الانتماء إلى المجتمع بشكل خاص وأن المدمن هو جزء من المجتمع يتفاعل معه بشكل خاص، ويساعد نفسه بالاندماج مع مجموعات منه، وهذا ما يجعل العلاج هذا من الضروريات النفسية لفطرة الإنسان الأصلية وهو أن الإنسان اجتماعي بطبعه. |
مبدأ الإيثار |
وهو عن طريق المشاركة والتفاعل مع المجتمع، والاندماج معه في الأنشطة الخاصة به فيما بعد مرحلة التعافي والشفاء النهائي، حيث يأتي خلق الإيثار من الأنشطة الإجتماعية والإنسانية التي يفعلها الإنسان تجاه الغير مفضلاً الآخرين على ذاته في بعض الأحيان. |
مبدأ الخبرات العائلية الجديدة |
وهو عن طريق وضع أسس جديدة للإنسان سلوكياً للتعامل مع الأسرة والعائلة والتي لا شك جزء من هذا المجتمع، وتعتبر هي نواته الحقيقية، لذلك يقوم البرنامج العلاجي على غرس قيم المسئولية وحل المشكلات بطريقة بعيدة عن العصبية والهروب منها، بل والتعامل الخاطيء معها، وذلك عن طريق اكتساب الخبرات في السلوك والتعامل، وهذا من أسس هذا البرنامج. |
مزايا برنامج العلاج الجماعي في بيوت التأهيل:
هناك عدد من المزايا في تأهيل المدمنين نفسياً، فبعد العلاج الدوائي ومراحله مثل تنقية السموم من الجسم، ومعالجة وتخفيف الأعراض الانسحابية، تأتي مرحلة التأهيل النفسي عن طريق الاستشارات والتواجد في المجموعة، وهناك عدد من المزايا التي تجعل هذا البرنامج من أهم البرامج العلاجية في الفترة الأخيرة والتي تغير سلوك الإدمان إلى سلوك أعظم وأقوى في الاندماج مع المجموعة وتعليم المدمن الأهداف التي تحدثنا عنها سابقاً، اما عن المزايا فيمكن تلخيصها خلال النقاط التالية:
- ممارسة السلوك من خلال الحياة الواقعية عن طريق المجموعة والتجارب والمحاكاة التي تأتي من جميع أعضاء تلك المجموعة.
- الإعتراف بالمشاعر الخاصة بكل واحد في هذه المجموعة تجاه الآخرين، وكيف ينظر الآخرين لهم في مجتمعهم الخاص سواء الاسرة او العائلة أو الأصدقاء أو المقربين.
- المجموعة العلاجية تعمل على تقليل أو إنتهاء العزلة نهائياً، ومن المعروف إن العزلة سبب رئيسي في الإدمان والسلوكيات المرتبطة به.
الدافع العلاجي او الوصول للشفاء يكون ذات قوة مع المجموعة أكبر من العلاج الفردي، وذلك عن طريق المؤازرة والتشجيع والتغيير والتحسن في السلوكيات وعمليات مواجهة الرغبة في العودة مرة أخرى للإدمان. - تعطي المجموعة العلاجية فرصة لتغيير النموذج الشخصي نحو الأفضل عن طريق تغيير السلوكيات الفردية عن طريق المناخ الصحي المرتبط بالمجموعة، ولحظات الصدق الشديدة مع النفس في الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها الشخص والتي أدت إلى إدمانه المخدرات.
- برنامج العلاج الجماعي عبر الاندماج في المجموعة العلاجية، تعمل على خلق فرصة جديدة لتكوين علاقات سوية مختلفة بين أعضاء المجموعة، ونقل الخبرات الحياتية بين هؤلاء يحفزهم بالتأكيد على تغيير أسلوب الحياة السابق، إلى آخر قوامه البعد عن كل ما يضر عقولهم او اجسادهم أو حياتهم.
هل ينفع برنامج العلاج الجماعي لكل المدمنين؟
هذا سؤال هام يطرح على الجميع، وإجابته واضحة فهناك بعض التقييدات الخاصة بهذا البرنامج، لأنه لا يصلح للجميع، بل إلى فئة من المدمنين دون غيرهم، وذلك تبعاً لبعض الظروف والعوامل المحيطة بالشخص، وطريقة تربيته، والبيئة المحيطة، وغيرها من العوامل، ويمكن إيضاح هذه التقييدات من خلال النقاط التالية:
- عدم الشعور بالأمان عند بعض المدمنين في طريقة التعامل مع المجموعة، حيث يفضل البعض من المدمنين عدم الإشتراك في أي حديث عن حياتهم السابقة مع الغير، وهذا قد يتعلق بالطبيعة الشخصية او عوامل التربية والبيئة المحيطة وغيرها من هذه الأمور.
- قد يكون جو المجموعة بالنسبة للشخص عدائي في معظمه، وهو ما يجعله يكره الجلوس في هذه المجموعة وعدم الحديث في الأمور الحساسية الأكثر في حياته السابقة.
- هناك بعض الأشخاص معتلون إجتماعياً أو في الحديث مع الأقران، فيحب أن ينفرد بالحديث دون غيره، وتمييز رأيه عن باقي المجموعة، أو المستغرقين ذاتياً مع النفس والذات بعيداً عن جو المشاركة، كل هؤلاء لا يجدي معهم الحديث عن مشاكل الإدمان السابقة في نطاق المجموعة.
- هناك بعض الأشخاص يفضلون العلاج الفردي أو بمعني أدق الإستشارات النفسية بين الطبيب او المعالج وبين المدمن، وهو ما يجعله أكثر حرية في التحدث عن أسباب الإدمان وما يعانيه من مشاكل خطيرة على المستوى النفسي جراء الإدمان.
نماذج برنامج العلاج الجماعي عبر بيوت التأهيل:
هناك بعض النماذج التي وضعها الكثير من المعالجين والأطباء النفسيين لتتوافق مع جميع الأشخاص المدمنين الذين يفضلون العلاج بهذه الطريقة، وهذه النماذج وضعت من اجل التوافق على أسلوب موحد في العلاج، وفقاً للأهداف السابقة والتي ذكرناها، وفي نفس الوقت وضع النماذج التي تتوافق مع الجميع ذاتياً ووفقاً للعوامل الاجتماعية ومن هذه النماذج:
العلاج الجماعي النفس تربوي:
- وهو يهدف إلى إستخدام الإعلام السمعي والبصري الذي يتحدث عن الإدمان، ثم فتح باب المناقشات بين اعضاء المجموعة حول هذه المواد وفقاً لأراء كل واحد على حدة، ومن ثم غرس قيمة الوعي الذاتي حول مخاطر الإدمان وما يسببه من هلاك للفرد والمجتمع، كما يتيح هذه الطريقة والأسلوب العلاجي خيارات نمو الوعي الذاتي عن طريق المناقشات وأيضاً إتاحة فهم لمفهوم التعافي والشفاء عبر هذه المناقشات.
- وهذا بلا شك يرفع من وعي المريض، وزيادة معلوماته عن الإدمان والمخدرات ومخاطرها الجسدية والنفسية، وعمل حاجز نفسي مكون من وعي المريض تجاه المخدرات وعمل دفاع ذاتي قوامه الامتناع والتشجيع على السلوك الإجتماعي السليم.
- كما يتيح هذا الجزء العلاجي الفرصة لتعليم ووعي المرضى ايضاً اسرهم حول السلوك الإدماني والمخدرات، وأنواع الإدمان الحياتية وطريقة تفكير سليمة لحل المشكلات بعيداً عن الهروب بالإدمان منها.
العلاج الجماعي عن طريق مجموعات تنمية المهارات:
- وهذا الجزء العلاجي يستهدف بعض الأهداف مثل آليات التكيف مع الأوضاع الإجتماعية المختلفة، وتنمية سلوكيات ومهارات رفض تعاطي المخدرات، وتجنب المثيرات والمؤثرات الحياتية التي تدفع المرء أن يدمن المخدرات، حيث يعتبر هذا الجزء العلاجي مفيد للغاية للأشخاص الذين يفتقرون للمهارات الحياتية التي تسمح لهم التكيف مع الحياة وحل مشكلاتها.
- بناء وتعزيز بعض السلوكيات والمهارات المعرفية الحياتية مثل السيطرة على العواطف، تحسين مهارات الرفض، التدريب على الاسترخاء، وهذا يعتمد على مجموعات منفصلة كل مجموعة تحتوي على 8 أفراد.
العلاج الجماعي لمنع الانتكاسات:
- ويعرف أيضاً بالعلاج السلوكي المعرفي ويهدف لعدة أشياء منها: تغيير السلوك وانماط التفكير والمعتقدات العالقة بالمشاكل الحياتية والتي تؤدي إلى الإدمان، إلى جانب غرس قيمة الاستغناء عن المؤثرات الخارجية.
- يعتبر هذا الجزء العلاجي جيد للغاية للتقليل من الانتكاس، كما أنه مناسب للتقليل من الصدمات والأزمات التي يعاني منها الشخص، ويحقق له التوازن المطلوب في الحياة.
- يعتمد العلاج الجماعي لمنع الانتكاسات على عدة خصائص سلوكية تعمل على تغيير السلوك مثل التركيز على المهارات وبنائها وحل المشكلات بطرق غير تقليدية، والعمل على التحكم الجيد في الذات، والاعتماد على العلاج المعرفي أيضاً الذي يغير السلوك للأفضل.
- ويعتبر هذا العلاج مفيدا للفرد والمجموعة، فهناك بعض الأطباء النفسيين يعتمدون عليه في برامج الاستشارات الفردية فضلاً عن الجماعية.
هيكل وطريقة المجموعة في برنامج العلاج الجماعي في بيوت التأهيل:
هناك عدة قواعد وضعها المتخصصون وفق منهج متبع، وخصائص محددة تعتمد على العوامل النفسية للمدمنين في وضع هيكل وشكل وعدد المجموعة المثالي، وفيما يلي نوضح جميع هذه الخصائص وأهميتها في برنامج العلاج:
هيكل وعدد المجموعة:
تتكون المجموعة العلاجية الواحدة من 8 إلى 10 أفراد وهذا هو العدد المثالي للمجموعة فلا ينبغي الزيادة عن هذا العدد، أما عن الوقت المثالي فهو من 60 إلى 90 دقيقة حسب عدد الأفراد المتكلمين، والموضوع المطروح، ومن المهم الأخذ في الإعتبار إلى عدة عوامل منها أن تبدأ في الوقت المحدد وتنتهي أيضاً في وقت محدد، فلا يزيد ولا ينقص، كما يتم تحديد المكان والزمان مسبقاً قبل موعد المجموعة التالية، ويفضل ان يكون المكان والوقت ثابت لا يمكن تأجيله أو تغييره، اما عن شكل المجموعة فقد يكون مفتوحاً بين الأشخاص بدون تنظيم دائري او مجموعة دائرية مغلقة.
أما عناصر المجموعة فلابد من وجود قائد للمجموعة يقوم بتيسير أعمالها وتنظيم الحديث بين أفرادها وتقديم الشخصيات وسؤال جميع أفراد المجموعة بالتساوي، وإعطاء فرصة للحديث لكل أفراد المجموعة في عدد متساو من الدقائق.
كما توجد عدة خصائص لابد أن تتوافر في قائد المجموعة مع عمله، وهي روح الدعابة، النشاط، الصدق، لا يعاني من المشاعر السلبية التي قد تؤثر على سير المجموعة، خلاق، مرن، يتحلى بالثقة بالنفس، وغيرها من الصفات الأخرى.
أما عن مهارات ميسر المجموعة، فلابد أن يتخلى بالفهم الشديد لنفسية المدمن حتى يتم التعامل الحذر معه، كما يكون قادراً على تنمية المهارات والسلوكيات الخاصة بالبرنامج العلاجي، ومراقبة المرضى جيداً من علامات الانتكاس التي تبدو ظاهرة عليهم في كثير من الأحيان.
في النهاية، نجد أن برنامج العلاج الجماعي في بيوت التأهيل، من أهم وأخطر برامج علاج الإدمان خلال السنوات الأخيرة، وله فاعلية كبيرة ونتائج رائعة في تغيير سلوك المدمنين نحو الأفضل، وهو ما جعله معتمداً لدى كثير من المستشفيات والمصحات العلاجية في جميع أنحاء العالم، والتطوير الذاتي للبرنامج مستمر حتى يستوعب الكثير من التغيرات النفسية الطارئة على المدمنين حول العالم.