اعادة التأهيل للاسرةالاسرة و المدمن

دور الأسرة في حماية الأبناء من الإدمان

دور الأسرة في حماية الأبناء من الإدمان

تعتبر الأسرة هي الركن الأول والأخير لحصانة المجتمع من الأمراض الإجتماعية التي تصيبه، فهي نواة هذا المجتمع وقلبه النابض، لذلك أي خلل يضر الأسرة، فهو سيضر بالتالي المجتمع كله بالأذى والانهيار، وهذا ما نجده في الكثير من الظواهر التي تنتشر في المجتمعات في جميع أنحاء العالم، لاسيما ظاهرة الإدمان والتي تهدد خطر الأسرة والمجتمع ككل، بسبب إرتفاع نسبة الجريمة المرتبطة بالمخدرات، وإنهاك روح المجتمع وتقليل إنتاجه وتصنيعه، وبالتالي تقدمه.

لذلك كان من الأهمية بمكان توعية أفراد الأسرة بخطر المخدرات والإدمان وما ينتظره الفرد والمجتمع من التهديد والخطر والدمار جراء إنتشار تلك الظاهرة، وهو ما حفز المهتمين والأطباء والمعالجين النفسيين المهتمين بعلاج الإدمان بالتوعية عن طريق برامج في المدارس والجامعات، التي تقيمها بعض الدول من أجل التوعية بخطر الإدمان، كما وضعوا عدة برامج خاصة بالتعامل الخاص مع المدمنين وكيفية كشف المدمن، وضرورة إقناعه بالعلاج وغيرها من الأمور.

ونتناول في هذا المقال الخاص دور الأسرة في حماية الأبناء من الإدمان، وهذه زاوية من الحديث صغيرة دون الخوض في تفاصيل أخرى مثل كيفية التعامل مع المدمن أو معرفة المدمن من بعض العلامات وغيرها، حيث يستعرض المقال المرحلة التي تسبق الإدمان أو بمعنى آخر، حماية الأبناء من الأسباب التي قد تدفعهم إلى الإدمان، أي وقايتهم خير من العلاج الذي يكلف الأسرة الكثير من الأموال والجهد والحالة النفسية المضطربة والقلق على مستقبل أبنائهم، لذلك نعتبر ضرورة التوعية للأسرة بضرورة حماية أبنائهم بالعديد من الطرق التربوية والتعليمية والنفسية التي تساعد الأبناء على مرور الأوقات الصعبة دون الخوض في تجربة الإدمان المميتة، ونتناول ذلك من خلال نقاط تفصيلية تجدها في خلال السطور القليلة القادمة.

الترابط والتراحم بين الأسرة أولى خطوات حماية الأبناء من الإدمان:

الإدمان تلك التجربة المميتة والمهلكة للفرد والأسرة، تبدأ شرارتها بالفراغ المعنوي والعاطفي والنفسي الذي يعانيه الأبناء، وتلك الفجوة التربوية والنفسية التي قد توجد في بعض الأسر بين الآباء والامهات من ناحية والأبناء من ناحية اخرى، خاصة في سن المراهقة وأعتاب الشباب، حيث بيّنت الإحصائيات العالمية أن عدد كبير من المدمنين في فترة الشباب والمراهقة وهو ما يجعلنا نتسائل ما هي الأسباب الحقيقية وراء إنهيار الاسرة وإدمان فرد من أفرادها للمخدرات؟

والأسباب تناولها علماء النفس والتربية، أن الإدمان ظاهرة نفسية تحتاج إلى علاج، أي أن التربية والعوامل الاجتماعية والنفسية لها دوراً كبيراً في ظهورها وتفاقمها من المجتمع، لذلك كان على الأسرة منذ البداية حماية الأبناء من الإدمان، ونجد أن هناك من الطرق والوسائل التربوية اليسيرة والتي يجب إتخاذها قبل الدخول في هذه التجربة يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:

ضرورة إظهار القدوة للأبناء متمثلاً في الأب والأم على السواء

في النجاحات الحياتية، او ضرورة الحفاظ على الصورة السليمة للأبوين في عيون الأطفال والمراهقين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، على الأب أو الأم الذين يدخنون السجائر أن يبتعدوا عن أعين الصغار أو المراهقين، ولا يدخنون امامهم، لأن ذلك الأمر محفزاً كبيراً للأبناء من حيث التقليد، أو من حيث الخوف على مشاعرهم.

الحفاظ على الترابط الأسري والتعاطف والمودة والرحمة بين الأبوين امام الأبناء

فمن ضمن الأسباب الكثيرة المؤدية إلى الفراغ العاطفي والنفسي للأبناء هو عدم إظهار الحب والترابط الأسري والمودة بين جميع أطراف الأسرة، وهو ما يدفع الأبناء في حالة وجود الخلافات الأسرية إلى الهروب من هذه المشاكل بوسائل اخرى من ضمنها بالتأكيد في بعض الحالات إدمان المخدرات أو العادات السيئة، لذلك على الأب والأم الذين يعانون من خلافات متكررة ألا يبرزوا تلك الخلافات أمام الأبناء، و ينتهزون الفرصة لعدم وجودهم او الذهاب إلى مكان آخر غير متواجد به الأبناء لكي يقومون بالنقاشات الحادة، كما يجب على الآباء والأمهات أن يظهروا الحب والمودة بينهما قدر الإمكان أمام الأبناء، لأن هذا بلا شك يعمل على تعزيز الحالة النفسية الإيجابية لديهم.

تقوية الوازع الديني والأخلاقي في محيط الأسرة

هو بالضرورة عامل مساعد للغاية من أجل حماية الأبناء من إدمان المخدرات أو الانجرار نحو العادات السيئة الأخرى، حيث تعتبر العوامل الأخلاقية والدينية، ومقدار الخوف من الحساب في الآخرة له أهميته في تقوية المراقبة الذاتية لدى كل أفراد الأسرة، وهو ما يمنع الأبناء من الدخول في تجربة الإدمان، لأنهم يراقبون ذاتهم في كل لحظة وفي كل موقف.

عدم التمييز بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين الابن والابنة أو بين الأبناء كلهم

وذلك حفاظاً على مشاعرهم، وعدم غرس الكراهية والفرقة بين صفوفهم، فلابد من التوازن بين الأبناء، وإعطاءهم حقوقهم كاملة بالتساوي، وعدم التفرقة بينهم في أي شيء، حتى نحافظ على الاستقرار النفسي والعاطفي والمحبة بينهم جميعاً.

الحالة الإقتصادية للأسرة لها عامل كبير للغاية في تجربة الإدمان

فعلى سبيل المثال، هناك من الأسر تعاني الفاقة والفقر، وهو ما يؤثر في نفسية الأطفال والشباب الذين يعانون في تلك الحالة من الحرمان النفسي، فيلجأون إلى وسائل اخرى منها مصاحبة ومجالسة السوء، والتي قد تدفعهم إلى الإدمان، وهناك من الأسر في الناحية المقابلة من تلك الحالة السابقة، فالأسرة قد تتميز بمكانة إقتصادية وإجتماعية كبيرة، وهو ما يحفز الشباب و الاطفال من ضرورة تجربة الشىء الجديد والمجهول بغض النظر عن سعره أو خطورته، وهو الشىء الذي نلاحظه في المجتمعات العربية وغير العربية على السواء، حيث نجد أن تجار المخدرات ومروجي التعاطي يستهدفون تلك الفئات لأنهم زبائن مهمين لديهم، لذلك تعتبر الحالة الإقتصادية حافزاً على الإدمان.

وحتى لا نسىء الفهم فهذه ليست قاعدة على أية حالة، فالكثير من الأسر الفقيرة يتميز أبنائهم بالتفوق والأخلاق، وكذلك الأسر الغنية، لذلك لا تعتبر الحالة الإقتصادية في حد ذاتها حافزاً لادمان الأبناء، ولكن العوامل والوسائل التربوية المرتبطة حولها هي التي تدفع الأبناء إلى الإدمان، لذلك على الأسر أن يربوا أبنائهم على الرضا بكل الأحوال والحفاظ على النعم، وغيرها من الأخلاق.

 

دور الأسرة في حماية الأبناء من الإدمان.. التوعية هي الحل:

تمثل التوعية الركن الثاني من أركان حماية الأبناء من الإدمان، وذلك لأنها تعتبر جزء كبير من الوسائل التربوية التي تحمي الأبناء من الوقوع في الخطأ والتجارب السيئة، حيث تعتبر التوعية جانب من جوانب الوقاية الضرورية في معرفة الإدمان وخطره على الصحة، وخطره على الفرد الذي يقع في تلك التجربة، أما عن الخطوات الصحيحة التي يجب إتباعها من جانب الأسرة في هذا الجانب يمكن أن نلخصها في النقاط الآتية:

التوعية بخطر المخدرات

وأثرها على مستقبل الأبناء وضرورة الإبتعاد عنها وعدم تجربتها على الإطلاق، وذلك من خلال التخويف من أضرارها، إلا إنه يجب التوازن ما بين التخويف منها والترغيب في عدم التجربة، حتى لا ينعكس على شجاعة الابن في بعض المواقف الأخرى.

ضرورة تربية الأبناء على الصراحة مع الآباء والأمهات

وذلك عن طريق حكاياتهم عن مشكلاتهم وأصدقائهم ومخاوفهم ومشاعرهم، وهذا يأتي من الأسرة التي تقوم بتربية أبنائهم على هذا السلوك منذ الصغر، كما يأتي من إستعداد الأب والأم لصداقة أبنائهم منذ نعومة أظافرهم، حتى فترة المراهقة، والتي تعتبر الفترة الحرجة في حياة الإنسان والتي يجب أن تمر بكثير من الاحتواء بين أفراد الأسرة، هذه الأمور ضرورية للغاية كي يشعر الابن بالطمأنينة مما يدفعه إلى عدم إخفاء مشاعره ومخاوفه وبالتالي يكون قريباً من ابويه في كل الامور النفسية التي يعاني منها خلال تلك الفترة.

توعية الأبناء بضرورة اختيار أصدقائهم

  • وهذا يأتي عن طريق بعض الأمور وهو معرفة المحيطين بالابن أو الابنة سواء في المدرسة أو من أصدقاء الجيران، أو زملاء النادي أو ما شابه، حيث تعتبر معرفة الأب والأم لزملاء أبنائهم يعزز الثقة بين الابناء والآباء، ويطمئن الابن نفسياً أن هناك من يحميه من أي أذى قبل أن يتم، كما أن معرفة الاصدقاء ضرورية أيضاً للأب والأم الذين يحتاطون لأي أمر قبل حدوثه، لذلك ينبغي البحث عن أصدقاء الابن دون إحراجه، او مبالغة من الآباء.
  • وذلك عن طريق توعية الابن بضرورة إختيار زملاءه بعناية، والاستماع له عندما يحكي تفاصيل تلك الصداقات والمشاكل التي قد يعاني منها هو او أصدقاءه، والسعي لحلها في بعض الأحيان حتى يتم تعزيز الثقة، كما يمكن معرفة عنواين أصدقاءه أو أرقامهم الخاصة بدون الضغط على الابن عن طريق إقناعه بضرورة الاحتياط لدى الوالدين بترك بعض الأرقام في حال الضرورة.
  • وعلى أية حال هناك الكثير من الحلول والطرق التي يبرع فيها الآباء والأمهات في معرفة أصدقاء وزملاء أبنائهم، لكن مع التحذير بضرورة عدم إحراج الابن والمبالغة في تلك المعرفة، وهنا يعتبر التوازن هام للغاية في العلاقة بين الآباء والأبناء.

طريقة النصح والإرشاد ضرورية في كثير من الأحيان

وذلك لأن تلك الطريقة التي يقوم بعض الآباء والأمهات بها من تعنيف الأبناء او العصبية الزائدة في تربيتهم، قد تؤثر بالسلب على تربيتهم في النهاية وتذهب كل الجهود إدراج الرياح، لذلك لابد من نصحهم بطريقة تربوية صحيحة بعيداً عن العنف او التجريح أو الاحراج، أو التقليل من شأنهم، خاصة عندما يبدأ الطفل الدخول في مراحل المراهقة المبكرة أو فترة الشباب، فالكلمة لابد أن توزن قبل أن تخرج، والموقف لابد من وزنه بميزان حساس، وذلك حفاظاً على مشاعرهم، وهذا بلا ادنى شك يؤثر فيهم بالسلب او الإيجاب حسب طريقة الابوين في النصح، والتوجيه حتى في حال الخطأ.

دور الأسرة في حماية الأبناء من الإدمان.. توجيه طاقاتهم بشكل صحيح:

بقى لنا ركن آخر في أركان حماية الأبناء من المخدرات، ألا وهو دور الأسرة في التوجيه الصحيح للأبناء في تفريغ طاقاتهم في أشياء مفيدة تعمل على تنمية مهاراتهم وسلوكياتهم بالشكل الصحيح.

وذلك عن طريق بعض الخطوات التي تبني شخصياتهم ومهاراتهم ومساعدتهم على حل المشكلات ومواجهتها وعدم الهروب منها، حيث نعتبر أن توجيه الطاقات بشكل سليم وتنمية تلك المهارات كفيلة لحماية الأبناء من الهروب واللجوء إلى الطرق والوهمية لمشاعرهم، ومن بينها بالطبع طريق المخدرات، وفيما يلي بعض الخطوات والنصائح التي يجب إتباعها من أجل توجيه الأبناء وطاقاتهم بشكل سليم وإيجابي:

ممارسة الرياضة منذ الصغر:

حيث تعتبر ممارسة الرياضة من الأمور الهامة لتوجيه طاقة الأطفال والمراهقين، وذلك على المستوى العضوي في بناء أجسامهم وجعلها صحية وبشكل لائق، ومن ناحية معنوية و نفسية عن طريق توجيه الطاقة بشكل صحيح وبناء إنجازات شخصية صغيرة في المجال الرياضي.

مما يشعره بأهميته في الحياة، وهو ما يؤثر إيجاباً في البعد عن كل ما يضر هذا الإنجاز. كما أن ممارسة الرياضة تقوم على إفراز بعض الهرمونات الهامة في المخ وهي المسئولة عن السعادة والنشوة وهي نفس المواد التي يصل إليها المدمن مع بداية تجربته للمخدرات، ولكنها مؤقتة على أية حال، إلا أن الرياضة والإنجاز المرتبط بها قد يستمران لفترة كبيرة من عمر الإنسان.

تنمية مهارات الطفل:

وهذه عن طريق بعض المهارات المكتسبة في طريقة حل المشكلات أو العواقب التي تقف أمام الطفل، وهذه المهارات المكتسبة لا شك ستبني شخصيته على حل المشكلات وعدم الهروب منها، كما أن سلوكياته ستكون مع هذه المهارات وتنميتها، سلوك سوي وسليم بعيداً عن الإنحرافات أو اللجوء إلى طرق ملتوية للهروب من المشكلات، وهي الطرق التي تؤدي بطبيعة الحال إلى العادات السيئة والتي من ضمنها اللجوء إلى الإدمان.

ممارسة الهوايات المفضلة:

وهذه إحدى الطرق المفيدة لتوجيه طاقات الأطفال والشباب، فالكثير من الأبناء في مجتمعاتنا لا يمارسون هواياتهم بشكل صحيح، وليس المقصود ممارسة الهواية أن يتم إنجاز شيء ما من ورائها، بل المقصود بها هو اللجوء اليها نفسياً في الكثير من المواقف، حيث تعتبر الموسيقى والرسم والكتابة والقراءة وغيرها كلها هوايات مفيدة يجب على الابن ان يقوم بها، أو أي هواية أخرى يحبها ويفضلها، فهي تعتبر على أية حال طريقة ذاتية ونفسية يعبر فيها الانسان عن حالته وعن مشاعره بشكل سليم وصحيح، وهو مما لا شك فيه يبعد الأبناء عن طريق المخدرات والإدمان.

 

نصائح تعين الأسرة في دورها لحماية الأبناء من الإدمان:

هناك بعض النصائح الهامة التي تعين الآباء والأمهات على تربية ابنائهم وحمايتهم من طريق الإدمان، وهي بعض النصائح التربوية المستفادة من كل تجارب الإدمان يمكن أن نوضحها في الآتي:

لا للعزلة

العزلة هي المشجع الحقيقي للإدمان، وليس معنى العزلة ان نترك أبنائنا وحدهم وقت طويل وفقط، بل عدم العزلة النفسية بين الآباء والأبناء، أو قطع طريق التواصل بين الطرفين، فالأبناء بلا شك يحتاجون إلى الإحتواء والتواصل الدائم، وسماع مشاكلهم، وآرائهم وعدم التسفيه من شكلهم او عقولهم، وتعزيز الثقة بالنفس لديهم، ومصاحبتهم، كل هذه طرق جيدة للتواصل، وهي نقيض للعزلة بلا شك، وبالتالي نبعد أبنائنا عن طريق الخطأ والزلل.

التوازن

عدم الشدة او التهاون مع الأبناء شيء في غاية الاهمية، وذلك لأن الشدة قد تجلب الآثار السلبية العنيفة معهم، ويتجهون إلى طريق لتفريغ الطاقة السلبية في شيء قد يضر، فعلينا بغلق باب الخطأ قبل فتحه، كذلك عدم التهاون معهم أثناء الخطأ، عن طريق نصحهم وعدم تركهم أو التهوين من خطأهم، لذلك يعتبر التوازن هو سر التربية الصحيحة.

لا للفراغ

الفراغ شيء قاتل للأبناء، لذلك يجب ملأ فراغ الوقت والعاطفة للأبناء بإستمرار، عن طريق ممارستهم للرياضة والهوايات المفضلة لديهم، والاشتراك معهم في الأنشطة التي يفضلونها، وتشجيعهم على الدوام، والفخر بهم والسعادة بإنجازاتهم الرياضية أو العلمية أو في أي نشاط يشتركون فيه، ويجب إظهار تلك السعادة على الدوام.

في النهاية، يجب أن يكون للأسرة دوراً كبيراً لحماية أبنائهم من الإدمان، وذلك عن طريق التربية الصحيحة والسليمة والتي تعتمد على بعض الأسس التي يجب أن يفهمها جميع الآباء والأمهات ويتم مراعاة هذه الطرق والقواعد عند تنشئة الأبناء، وهو ما يبعدهم عن إرتكاب جميع الخطأ والزلل والذي منه بلا شك طريق الإدمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق