
تعددت الطرق الحديثة في علاج الإدمان، ففي خلال السنوات الأخيرة، أحدثت الدراسات الطبية، والتجارب المعملية طفرة كبيرة في مجال علاج الإدمان، حتى ظهرت أساليب تتداخل مع المجالات الأخرى، والإستفادة من هذه المجالات في طرق علاج الإدمان، حتى أضحت الطرق التقليدية، غير مجدية في بعض الحالات، وأصبحت هذه الحالات تحتاج إلى الطرق الحديثة المتخصصة في علاج الإدمان.
ومن هذه الطرق الحديثة، هي طريقة علاج الادمان بالتحليل النفسي، وهي إحدى الطرق الحديثة التي ارتبطت بالطب النفسي واستفادت من القواعد الكثيرة لهذا العلم الحديث في معالجة الإدمان نفسياً وسلوكياً، وهو ما جعل المصحات والمستشفيات النفسية والعلاجية المتخصصة في علاج الإدمان، تقوم بإدخال مبادئ علاج الادمان بالتحليل النفسي إلى طرق العلاج التي تقوم بها أثناء مراحل علاج الإدمان للكثير من الحالات الخاضعة للعلاج فيها.
وفي هذا المقال نلقي الضوء على علاج الإدمان بالتحليل النفسي، حيث نقوم بمناقشة، النقاط الخاصة بهذه الطريقة العلاجية، ومنهجها القائم في علاج الإدمان، وماهية التحليل النفسي وقواعده، وكيف نستفاد منه في علاج الإدمان من الناحية النفسية والسلوكية، ومنهج وقواعد علاج الادمان بالتحليل النفسي، وخطوات العلاج، والنتائج التي يراها الأطباء والتغييرات النفسية والسلوكية بعد الخضوع لهذه الطريقة العلاجية الحديثة، وذلك خلال نقاط تفصيلية في هذا المقال.
المحتوي
نظريات علاج الادمان بالعلاج النفسي:
أولاً: التفسير السلوكي:
تعتبر نظريات علاج الادمان بالتحليل النفسي، من أحدث الوسائل لمعرفة ما وراء ظاهرة الإدمان من الناحية السلوكية، وتفسيرها بقواعد ومبادئ علم التحليل النفسي، فهناك من التفسيرات التي بررت ظهور حالة الإدمان للشخص، بسبب فقدان الثقة بالنفس منذ الصغر، لأسباب إقتصادية وإجتماعية يعاني منها الشخص، في شخصيته وتربيته، مما يجعل مبدأ التعزيز مرتبط بلا شك بالمخدرات وتعاطيها، وإعطاء الحالة السعيدة الوهمية التي تخفض من القلق والتوتر الذي يعاني منه الشخص على الدوام، ويعطيه الثقة بالنفس لإتيان ما لم يمكن إتيانه في الحالة الطبيعية لهذا الشخص، وهو ما يبرر مبدأ التعزيز الذي يتحدث عنه الأطباء النفسيون.
وهو ما يوضح وفقاً للأطباء الذين يفسرون تلك النظرية أو ربط تعاطي المخدرات بنقصان الثقة بالنفس، أن تعاطي المخدرات يعطيهم الشعور بالأمان والحماية ليس من القلق والتوتر الناتج عن الشعور بنقصان الثقة في النفس فقط، بل أيضاً الحماية والأمان الشخصي من مشاعر العجز والنقص وعدم الكفاية في الحياة، بل والتخفيف من الضغوط التي يواجهونها في الحياة وحلها بشكل وهمي، مثل المشكلات الجنسية على سبيل المثال، أو غيرها من المشكلات الأخرى، إلا أن المخدرات تعطيهم هذه الحلول بسهولة مؤقتة سرعان ما تبدأ في النقصان مع إنتهاء تأثير المخدر، مما يعطيهم الشعور دائماً بالاحتياج إلى تعاطي المخدرات.
ثانياً: تفسير ماضي المريض:
التاريخ المرضي، أو بالأحرى التاريخ النفسي والسلوكي للإنسان قد يكون من الأهمية من أجل تفسير أهمية علاج الإدمان بالتحليل النفسي، حيث ترى الدراسات الطبية الخاصة بمنهج التحليل النفسي أن التاريخ النفسي للإنسان مهم من حيث تفسير ظاهرة الإدمان وأسبابها، مثل مسألة حرمان الطفل من بعض الحاجيات الاساسية على سبيل المثال لا الحصر، فقد تكون سبباً رئيسياً لتفسير ظاهرة الإدمان.
فقد أكدت الدراسات النفسية المرتبطة بتوفير الحاجات الأساسية للأطفال مثل المأكل والمشرب والملبس، فالحرمان عن هذه الأساسيات قد تكون كارثية على مستقبل هذا الطفل، وقد تدفعه إلى اللجوء إلى الإدمان، حيث ظهر عند التحليل النفسي لبعض المدمنين، ان كانوا يعانون في الماضي الطفولي من علاقة متوترة بينهم وبين آبائهم وامهاتهم بسبب عدم توفير الحاجيات الأساسية التي كانت ولابد من توفيرها للعيش، مما أثر في نموهم العقلي والجسماني وربما الجنسي في بعض الأحيان، وهو ما يسبب خطر الدخول في تجربة الإدمان في المستقبل.
ثالثاً: نظرية التفسير الإجتماعي:
هناك بعض النظريات الخاصة بالشق الاجتماعي داخل برنامج علاج الادمان بالتحليل النفسي، والمقصود بالجانب الإجتماعي، حيث يفسر القائمون على هذه النظرية الإجتماعية أن تعاطي المخدرات يمثل بعض السلوكيات اللاشعورية والتي لو تم التحكم فيها فسيتم التخلص من ظاهرة الإدمان بالنسبة لهذه الحالات ومن هذه السلوكيات اللاشعورية:
رغبة الإنسان الكامنة في السيطرة على الآخرين أو التفوق عليهم في شئ ما، قد تدفعه إلى تجربة تعاطي المخدرات ومن ثم الإدمان عليها، وهذه الرغبة السلوكية في كثير من الأحيان لا شعورية وتفسر جوانب مظلمة في أسباب إدمان هذا الشخص، وعلاج الادمان بالتحليل النفسي قادر بفضل تحليل النفسية البشرية إلى الوصول إليها ومن ثم علاجها.
- رغبة الإنسان اللاشعورية في تحدي الآخرين، وكأن لسان حاله يقول لهم” امنعوني لو تقدرون من المخدرات” وهذه تظهر في الحالات التي تقوم بالعناد تجاه الأسرة ولا تتقبل النصيحة الخاصة بتوقف التعاطي، حتى يصل الامر إلى الإدمان، وهذه الحالات تعاني من رغبة لا شعورية يفسرها أطباء التحليل النفسي بأنها رغبة إنتقامية تجاه الآخرين، لظروف اجتماعية سابقة في الماضي.
- رغبة الإنسان اللاشعورية في استجداء العطف والحنان من الأسرة، فيقوم بتعاطي المخدرات من أجل لفت الإنتباه إلى حالته، وقد يصل إلى تدمير صحته من أجل إستدعاء العطف من المقربين إليه، وغالباَ يعاني هذا الشخص من خلفية إجتماعية صعبة قوامها القسوة والعنف من الاسرة، أو عدم الإهتمام العاطفي والنفسي منذ كان طفلاً، او الإنشغال الدائم للأب والأم عن الأبناء، او غير ذلك من مظاهر الحرمان النفسي والعاطفي، وهو ما يبرهن مرة أخرى أهمية علاج الادمان بالتحليل النفسي في معرفة الظروف الاجتماعية والنفسية للشخص في تفسير الإدمان وأسبابه ومن ثم علاج ظاهرة الإدمان.
- رغبة الإنسان اللاشعورية في إنقاص قيمته الإجتماعية من أجل إرضاء الأطراف الأخرى في بعض الحالات، وهذه حالات تقوم بأذى النفس من أجل الآخرين، بسبب شعور النقص السابق الناتج عن خلفية إجتماعية مع الاسرة أو المقربين.
النظرية البيولوجية لعلاج الادمان بالتحليل النفسي:
هناك العديد من التفسيرات والنظريات الأخرى التي تعد من قواعد علاج الادمان بالتحليل النفسي، ومن هذه النظريات الهامة أيضاً هي النظرية الفسيولوجية أو البيولوجية التي توضح حاجة الجسم لدى المدمن، وذلك بسبب الموصلات الكيميائية التي تعمل في مخ المدمن والتي تحتاج إلى المؤثرات الخارجية بإستمرار، وهذه المؤثرات تعني بلا شك المخدرات، وهو ما يعني إلى الأرتباط الجسدي بين المدمن وبين المخدرات، وحاجاته الضرورية إلى إدمان المخدرات على الدوام.
النظرية ايكولوجية لعلاج الادمان بالتحليل النفسي:
يعد علاج الادمان بالتحليل النفسي من أقوى البرامج التي تسبر أغوار النفس البشرية وتفسر من خلالها أسباب الإدمان، ومن ثم العلاج الفوري له عن طريق الطب النفسي الحديث، ومن تلك النظريات التي توضح أهمية التفسير النفسي للإدمان هي تلك النظرية التي تسمى بالنظرية الايكولوجية، أو نظرية الربط بين البيئة المكانية والمخدر، بحيث تعمل البيئة المكانية من ظروف لعمل معين، او ظروف أسرية معينة قد تدفع الإنسان إلى المخدرات وتعاطيها وإدمانها، وهي مسألة معقدة للغاية لا يفض اشتباكها إلا الطب النفسي، وهذه من قواعد علاج الادمان بالتحليل النفسي.
تفسيرات العلماء جزء من علاج الإدمان بالتحليل النفسي:
يتداخل علاج الادمان بالتحليل النفسي كثيراً مع المدارس الطبية النفسية، خاصة مدرسة فرويد للتحليل النفسي والتي نضربه كمثال في مجال التحليل النفسي وإستخدامه في علاج الإدمان، وفيما يلي بعض النقاط البارزة التي تحدث عنها رائد مدرسة التحليل النفسي، في تحليل ظاهرة الإدمان وربطها سيكولوجية الإدمان عند الإنسان:
- تفسير وتحليل ظاهرة الإدمان بالخلفيات الإجتماعية السابقة للإنسان، مثل اضطراب علاقة الحب بين الوالدين، والمدمن منذ الطفولة، وهذا بلا شك وفقاَ للعالم فرويد كان دافعاً للإدمان.
- إشباع حاجة طفولية لا شعورية عند الفرد المدمن، وهو ما يسمى بالاضطراب الفمي، أو إضطراب نموه النفسي، وهذه من أسباب الإدمان، ولا شك أن معرفة السبب يساعد بشكل كبير على العلاج.
- فسر فرويد ظاهرة الإدمان أن الإنسان يحاول الهروب من السلبية والعجز الناتج عن اضطرابات شخصية وأخطاء في التربية أحياناً إلى المخدرات والإدمان عليها، وبناء عالمه السحري والوهمي وإشباع الحاجة إلى الدفء والحب والحنان والعطف الذي يعاني من فقدانه منذ طفولته.
- فسر فرويد أيضاً ظاهرة إدمان المخدرات بسبب نقصان الإشباع البيولوجي مثل الطعام أو الجنس أو أي شئ آخر، حيث يلجأ المدمن إلى إشباع هذه الحاجيات الاساسية له عن طريق وضعه في عالم موازي وغير حقيقي وهو عالم إدمان المخدرات.
وهناك العديد من المدارس النفسية الاخرى، إلا أن مدرسة فرويد هي المدرسة الأكثر شيوعاً، والتي تعتبر رائدة تفسيرات علاج الادمان بالتحليل النفسي، لذلك ذكرنا أهم ملامح تلك التفسيرات في النقاط السابقة.
أنواع المدمنين في نظريات علاج الادمان بالتحليل النفسي:
هناك بعض الدراسات الخاصة التي تحدثت عن أنواع المدمنين وتقسيمهم حسب التحليلات النفسية السابقة والتي تعتبر من صلب نظريات علاج الادمان بالتحليل النفسي، وقد قسمت هذه الدراسات المدمنين على أساس بعض القواعد والتي من الممكن توضيحها من خلال النقاط التالية:
- لا ينظر التحليل النفسي إلى نوع المخدرات أو درجة الإدمان أكثر من السبر في أغوار النفس البشرية التي تتسبب في ظاهرة الإدمان.
- ينظر التحليل إلى الخلفيات الإجتماعية والمرضية للإنسان المدمن، وغالباً ما تكون هذه الخلفيات معقدة إلا أنها لك هدف واضح في تحليلها لمعرفة الأسباب الحقيقية لإدمان هذا الشخص.
- الحيل والخدع الإجتماعية التي يلجأ إليها الشخص، وتكون اللجوء إلى الإدمان جزء منها لا شعورياً كما وضحنا في النقاط التحليلية السابقة، ومن هنا يجب أن نشير إلى التقسيمات التي تبناها المتخصصين في علاج الإدمان بالتحليل النفسي لأنواع المدمنين إلى:
المدمن المتحدي:
وهو ذلك المدمن الذي يتحدى الآخرين لا شعورياً من حيث اللجوء إلى الإدمان من أجل تحدي المقربين منه أو الأسرة، لدرجة أن يتلذذ من أجل هذا التحدي وتكون طريقة الإدمان وسبب اللجوء إليه لا شعورياً هذا السبب دون غيره.
المدمن المستجدي:
وهو ذلك المدمن الذي يعاني من اضطراب نفسي له خلفية اجتماعية تعاني من الحرمان للإهتمام العاطفي والنفسي من المقربية والأسرة والأصدقاء، الذين يبتعدون منه لأي سبب كان، لجوئه إلى الإدمان يعني لا شعورياً لفت الإنتباه إليه من أجل الإهتمام به أو إستحقاق الأمن والعطف والحنان من الأسرة الذي طالما طلبه في مناسبات سابقة دون اللجوء إلى إدمان المخدرات.
المدمن المتفاني:
وهو ذلك المدمن الذي يلجأ إلى المخدرات وإدمانها من أجل إفناء نفسه والإنتقام من ذاته من أجل تعويض نقص يعاني منه بسبب شعوره من الحرمان أو شعوره بالنقص الإجتماعي تجاه الآخرين، فيبدأ اللجوء إلى الإدمان هنا من أجل إرضاء الاطراف الاخرى أحيانا، وهذه الحالة تعاني من سيكولوجية صعبة للغاية.
نماذج من طرق علاج الادمان بالتحليل النفسي:
في هذه النقطة نتحدث عن نماذج وطرق العلاج المتضمنة في برنامج علاج الادمان بالتحليل النفسي، وفيما يلي هذه الطرق:
- العلاج الفردي: وهو الأكثر شيوعاً في مراحل علاج الادمان بالتحليل النفسي، خاصة مع التعقيدات النفسية المزمنة والتي تحتاج إلى استشارات عاجلة من الطبيب النفسي على المستوى الفردي في العيادة المتخصصة لذلك.
- العلاج القصير: وهو عبارة عن علاج وقائي يقدمه الأطباء النفسيون عن طريق إعطاء معلومات وتوعية خاصة للتخفيف من القلق والتوتر عن الاكتئاب والأمراض النفسية المصاحبة للإدمان، و يعتبر هذا العلاج وهو جزء من علاج الإدمان بالتحليل النفسي من أهم طرق العلاج التي تعني بالمشكلات العابرة والطوارئ التي قد تطرأ على حياة المدمن خلال العلاج، ومدته 12 أسبوعاً مقسماً على جلسة كل أسبوع.
- العلاج النفسي (البين- شخصي): وهي طريقة علاجية تعني بحل المشكلات النفسية الطارئة الناتجة عن التعامل بين الأسرة أو الأصدقاء المقربين، وهذا المدمن خلال فترة العلاج، كما يجدي هذا العلاج في التخفيف من نوبات الاكتئاب الحادة، وقد أظهر هذا العلاج فاعلية كبيرة في النتائج من خلال الدراسات والتجارب التي قام بها المتخصصين في علاج الادمان بالتحليل النفسي.
مميزات علاج الادمان بالتحليل النفسي:
هناك عدة مميزات في برنامج علاج الادمان بالتحليل النفسي، وهذه المميزات تعتبر خلاصة النتائج التي أظهرتها الدراسات الطبية والمعملية على المدمنين الخاضعين لهذا البرنامج العلاجي، ومن هذه المميزات نذكر:
- التركيز على المشكلات النفسية التي تعرقل حياة المدمن ليس فقط لأنها تمثل الأسباب النفسية الحقيقية للإدمان، ولكن لأنها تعتبر من العراقيل الخاصة للحياة بشكل عام، لأنها تعتبر مشكلة نفسية قد تسبب الإدمان في بعض الحالات وقد لا تسبب لكنها تبقى مشكلة نفسية يجب علاجها.
- أسلوب العلاج متنوع ما بين علاج فردي وعلاج جماعي وأيضاً يتميز بالمرونة ويمكن تطويعه حسب الحالة المراد علاجها، وحسب التاريخ المرضي والإجتماعي والنفسي للحالات الخاضعة لهذا البرنامج، لذلك يختلف أسلوب العلاج من حالة إلى حالة أخرى.
- على الرغم ان العلاج يبحث في المشكلات النفسية المرضية والتاريخ المرضي للحالات المراد علاجها، إلا أنه يهتم بالحاضر أيضاً والإهتمام بالشعور الذي يعاني منه الفرد المدمن في الوقت الذي يخضع فيه للعلاج.
- المبادرة في فتح ومناقشة المواضيع الهامة والهادفة التي تخص المدمن الخاضع للعلاج، مع الطبيب المتخصص، سواء عن طريق العلاج الفردي أو أي نوع آخر من العلاج، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات في ذاكرة الفرد المدمن الخاضع للعلاج، وهي طريقة بلا شك هادفة في مسار علاج الادمان بالتحليل النفسي.
- التواصل مع الزوجين أو الأسرة أو الاصدقاء المقربين، لأن الدائرة المحيطة تظل في برنامج علاج الادمان بالتحليل النفسي جزء من خطوات العلاج الناجحة والسليمة، لذلك يجد الأطباء فرصة في توسيع دائرة الوعي بما يخص الحالة المراد علاجها.
وهكذا نرى من خلال نقاط هذا المقال اهمية علاج الادمان بالتحليل النفسي، والذي يعتبر من طرق العلاج الحديثة نسبياً والهامة للغاية في تطوير مجال طب الإدمان والعلاج النفسي على السواء، وهو ما حاولنا تسليط الضوء عليه.