أسئلة وأجوبة

هل الإدمان مرض عضوي أم نفسي؟

هل الإدمان مرض؟

هناك الكثير من التساؤلات التي طرحت خلال الفترة الأخيرة عن ماهية الإدمان و هل الإدمان مرض عضوي أم نفسي أم هو مرض مستحدث من ضمن الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان، أم ان الإدمان بعيداً عن نظرية كونه مرضاً، ويجب التعامل معه كأنه جريمة وعار ويجب التخلص من المدمن الذي يجلب العار لنفسه وعائلته عن طريق النبذ والإبعاد.

كل هذه التساؤلات والتي طرحها العديد من الأطباء والباحثين في مجال الإدمان، عن طريق الدراسات الطبية، وجدوا لها إجابات عديدة عن طريق الأدلة والتجارب والبراهين التي أكدت أن الإدمان اضطراب سلوكي مرضي يصيب بعض الناس، لكنهم اختلفوا في العديد من المفاهيم الاخرى، وما بين الاتفاق بين الأطباء والمعالجين او تلك الدراسات وبعضها البعض، نعرض في هذا المقال إجابة السؤال الأهم من بين تلك التساؤلات وهو هل الإدمان مرض؟ ويجب علاجه؟ وهل هو عضوي أم نفسي؟ كما نعرض من خلال بعض النقاط في السطور القليلة القادمة آراء الدراسات الطبية حول مرض الإدمان ونظرة بعض المجتمعات خاصة المجتمعات العربية على ان الإدمان عار وجريمة ويجب إبعاد المدمن من العائلة، وهذه بلا شك نظرة قاصرة، وهو ما نوضحه خلال النقاط التالية في هذا المقال.

مفهوم الإدمان :

تعددت مفاهيم الإدمان، لكن معظم الدراسات أكدت ان الإدمان مرض من الأمراض التي قد تصيب الإنسان إذا وجد فيه الإستعداد لذلك الأمر، لكن اختلفت الدراسات الطبية بالطبع حول تصنيف هذا المرض، وفي خلال العرض القادم والنقاط التالية نعرض بعض من هذه الدراسات الطبية التي تناولت هذه النظرة حول مفهوم الإدمان:

  • أكدت بعض الدراسات الحديثة أن الإدمان مرض نفسي يصيب الإنسان في ظروف معينة، مثله مثل الإكتئاب أو التوتر والقلق المرضي، او الإصابة بالوسواس القهري وذلك بسبب تغيير في كيمياء المخ، كما أثبت الطب النفسي الحديث أن خلايا المخ المسئولة عن الاعتمادية هي التي تتحكم في الإنسان إذا أصيب هذا الإنسان بالظروف المؤدية إلى الإدمان، فهذا ما يجعل خلايا المخ تحتاج إلى العديد المؤثرات الخارجية لإفراز الهرمونات التي يعتمد عليها المخ في الهروب من المشكلات او الجوانب الحياتية الأخرى والتي قد تكون مسببة لمرض الإدمان، وهذه الدراسات بهذه النظرية تؤكد ان الإدمان مرض نفسي في المقام الأول، وليس أي شيء آخر، إلا أن تلك النظرية تم الرد عليها في دراسات اخرى حول مفهوم الإدمان.
  • هناك بعض الدراسات الأخرى التي أكدت أن الإدمان مرض عضوي في الاساس وذلك بسبب أن كيمياء المخ يحدث فيها بعض التغييرات هي التي تؤدي إلى دفع الإنسان للمزيد من المؤثرات الخارجية وهي المخدرات التي يعتمد عليها المدمن في محاولة الدخول في حالة وهمية من السعادة جراء إفراز الهرمونات بشكل يزيد من الخلل في الناقلات العصبية الناقلة من المخ إلى الجهاز العصبي وغيره من أجهزة الجسم المختلفة، مما يسبب العديد من الأمراض العضوية المرتبطة بالإدمان.
  • أما أكثر الآراء إنتشاراً هو أن الإدمان مرض نفسي وعضوي معاً تبنته الدراسة الامريكية حول مفهوم الإدمان، وهي الدراسة التي نشرتها الجمعية الأمريكية لطب الإدمان والتي اكدت فيها ان مفهوم الإدمان يجمع بين المرض العضوي والنفسي معاً، وأن الدماغ المسئولة عن ضبط الكيمياء والناقلات العصبية التي تصل بين المخ وبين اجهزة الجسم المختلفة يصيبها الخلل جراء إدمان المخدرات، وهو ما تسميه الدراسة الخلل الدماغي وهو ما يبين أن الإدمان مرض عقلي، اما عن الاضطرابات النفسية فهي ناتجة بلا شك من هذا المرض العقلي فبالتالي يعتبر الإدمان يجمع ما بين العضوي والنفسي، لذلك يجمع العلاج الأمرين معاً وهو علاج الخلل الذي يصيب خلايا المخ، ثم علاج الاضطرابات السلوكية والنفسية التي ارتبطت بهذا الخلل العضوي في الدماغ، ويعتبر هذا الرأي هو الرأي الشائع بين الأطباء والدراسات الخاصة بالإدمان هذه الفترة.

الإدمان مرض يصيب الدماغ:

في العنصر السابق، أكدت الدراسات أن الإدمان مرض يصيب الإنسان، سواء أكان هذا المرض عضوي او نفسي، وهو ما نحاول أن نبينه خلال هذا العنصر، وهو تأثيرات الإدمان خاصة إدمان المخدرات على الدماغ وخلايا المخ، وتتضمن هذه التأثيرات في الآتي:

  • خلل في الناقلات العصبية مما يؤثر على خلايا المخ ومراكز الإحساس فيه، كما يؤثر على مراكز الإدراك المسئولة بدورها عن الذاكرة والتفكير وبعض الوظائف الإدراكية الهامة التي يحتاجها الإنسان يومياً مثل الكلام وتحريك الأطراف وغيرها.
  • تؤثر المخدرات والإدمان عليها خلل في بعض الوظائف الخاصة بالتفكير والتعبير عن الرأي وهو ما يؤثر في السلوك، ومن هنا يبدأ الإدمان من المرض الذي يصيب الدماغ فقط إلى المرض الذي يصيب السلوك، وهو ما يؤدي بدوره إلى الأمراض النفسية مثل الاكتئاب أو التوتر والقلق غير المبررين، أو تغيير شامل في السلوك، واتسام الفرد بالعدوان والسلوك العنيف تجاه الغير أو اتجاه نفسه، وهذه بلا شك نوع من الاضطرابات النفسية والشخصية التي تصيب المدمن في مراحل متقدمة من الإدمان.
  • يؤثر إدمان المخدرات ايضاً على تغيير وظائف خلايا المخ، مما يصيبها بالخلل، وقد يصل الإنسان إلى تغييب كامل للعقل، او مرحلة الجنون في بعض الأحيان، والحقيقة أن هناك اختلافات كبيرة ومتعددة بين الأمراض التي تصيب الإنسان حسب أنواع المخدرات المختلفة، حيث هناك بعض المخدرات تصيب الإنسان ببعض السرطانات، أو الأمراض المزمنة مثل الفشل الكبدي و الوبائي، والفشل الكلوي وغيرها من هذه الأمراض.

والحقيقة أن الإصابة بتلك الأمراض تعتبر ناتجة عن الإدمان بشكل رئيسي ومباشر، لكنها لا تصيب جميع المدمنين، أو تختلف في شدتها ودرجاتها حسب كل حالة على حدة حسب درجة الإدمان أو حسب عدة عوامل تتعلق بنوع المخدرات او وظائف الجسم.

الإدمان والاضطرابات النفسية والسلوكية:

كما تبين من خلال العناصر السابقة أن الإدمان وهو المرض الذي يصيب الأجهزة العضوية خاصة بما يتعلق بإدمان المخدرات، إلا أن مرض الإدمان يصيب السلوك والنفس البشرية بالعديد من الأمراض النفسية التي تحتاج إلى العلاج، حيث يصاب المدمن على المخدرات بالإكتئاب والقلق والوساوس والهلاوس السمعية والبصرية التي تزداد حدتها مع زيادة الجرعات أو مع تناول بعض المخدرات شديدة التأثير على مراكز المخ والإدراك فيه، كما يؤثر الإدمان في ظهور الاضطرابات الشخصية والنفسية والتي من نتائجها أذى الغير والنفس بالمحاولات التي يقوم بها المدمن للانتحار.

وبقى لنا في هذا المقام التأكيد أإن الإدمان يعتبر من الأمراض شديدة الخطورة على النفس البشرية، خاصة بما يتعلق باضطرابات السلوك وتغيير الشخصية، والدليل على ذلك الأمر، ان هناك أنواع أخرى من الإدمان وهو ما يسمى الادمانات الحياتية او ما يتعلق الأمر بالسلوكيات اليومية مثل إدمان الطعام، وإدمان الحب، وإدمان الغضب، وإدمان مواد التنبيه مثل القهوة والشاي والمشروبات الغنية بالكافين وإدمان مواد شديدة الخطورة مثل ادمان النيكوتين المتمثل في الشيشة والسجائر ونحوها، وتعتبر السلوكيات والتغيرات العقلية والعصبية والنفسية جراء تلك الإدمانات لا يختلف كثيراً عن إدمان المخدرات، وهو ما يؤكد لنا أن الإدمان في حد ذاته مرض يجب علاجه عن طريق برامج تأهيلية سواء على المستوى العضوي أو النفسي.

في النهاية تختلف التعريفات والمفاهيم الخاصة بالإدمان، بل وتختلف الآراء التي تستند على البراهين والادلة العلمية، إلا أن الإتفاق الذي جمع الجميع سواء من الأطباء أو المعالجين النفسيين أو الباحثين، ان الإدمان حالة مرضية يجب علاجها على الفور على جميع المستويات سواء العضوي او النفسي أو السلوكي، وأي حالة يجب علاجها من سلوك مغاير أو مفاجيء، فيجب إطلاق عليه اسم مرض، وهو ما حاولنا أن نوضحه في هذا المقال و من خلال النقاط السابقة.

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق